ادخل منزلاً سورياً قبل عيد الأضحى بعدة أيام واكتشف نمطاً آخراً من الحياة السورية، واسبر أغوار تجربة جديدة تفوح منها رائحة المعمول معشوق السوريين، إلى جانب رائحة المنظفات التي تعلن حربها على الفتيات وتغيظهنّ، آمرةً إياهن ببدء حملة “التعزيل” والتنظيف ترحيباً بالضيف القادم.
ولأن الأضحى ليس 4 أيام فقط، وإنما يسبقه تحضيرات تخصّه ويلحق به تحضيرات لاستقبال عودة الحجّاج، أردنا في لدّات الحديث عن هذه الفترات.
فترة “المكنسة سر تعاستي”
هذه الفترة هي من نصيب الفتيات والنساء حصراً، لا علاقة للرجال بها، تعتبرها الأمهات من أكثر مراحل العيد سعادة، فيما ترى بناتهن أنها فترة للتعذيب واسترداد الحقوق، فترى المنزل يعج بالمنظفات من كل الأنواع، أينما تصوّب وجهك تلمح عمليات الكنس والمسح والفرك قائمة.
وذلك يكون إلى جانب تحضير الحلويات التي تطغى رائحتها على كل ذلك، بالإضافة إلى زيارة الأسواق لشراء ملابس العيد، وكل هذه الأمور تجعل من الممكن أن يُعرض وثائقي عن حياة النساء في تلك الفترة تحت اسم “كائنات يجب تجنبها”، ونكتفي بهذا القدر كي لا نؤجج مشاعر المظلومات في هذا الكوكب.
فترة “حط بالخرج”
في إحدى حلقات مسلسل مرايا السوري كانت هناك حلقة تتحدث عن مجموعة من الرفاق يخرجون في نزهة مع وفد سياحي وطوال فترة نزهتهم يستمرون في أكل ما لذ وطاب دون مراعاة لامتلاء المعدة أو كمية الدهون وما إلى ذلك، ومع كل مرة يقف فيها “باسل خياط” المرشد السياحي حينها ليحذرهم من كمية الأكل يجيبه “حسن دكاك” (حط بالخرج)، وذلك يعني تجاهل هذا الأمر فليس له قيمة، إلى أن تنتهي الحلقة بنوبة قلبية لأحد الأشخاص الذين أكلوا كثيراً.
ونحن في العيد نفعل ذلك تماماً، فما ظنك بأشخاص يكون فطور أول أيام عيدهم الشاكرية والفريكة وورق العنب واللحمة والملوخية؟، دون العبء بأي تأثير لذلك على الصحة أو الأوقات المناسبة لتناول هذه الأصناف، وذلك بالطبع عملاً بمقولة “حط بالخرج”.
فترة “أمانة تعيدوها”
تعد هذه الفترة الممتدة طوال أيام العيد هي فترة الزيارات العائلية والتي تنتهي غالباً بمقولة “أمانة تعيدوها ها”، وفيها يقوم أفراد العائلة بزيارة بعضهم البعض على شكل جماعات تدخل البهجة على قلب صاحب المنزل، إذ يتجمع الأحفاد حول آبائهم وأمهاتهم ليلتقوا بأجدادهم وجداتهم وباقي أفراد الأسرة، ويأخذ كل فريق أو مجموعة منهم زاوية من زوايا المنزل لتبادل الأحاديث والتهاني والاتفاق على موعد للخروج إلى أحد المنتزهات أو المطاعم لتكتمل بهجة العيد.
وفي هذه الفترة يوجد أهم تقليد في العيد، ينتظره الأطفال بفارغ الصبر وهو “العيدية”، وما إن يأخذوها من الكبار حتى يبدؤوا بالحساب والجمع وغيظ بعضهم البعض، من يملك أكثر ومن أنفق أقل، وطبعاً العيدية تشمل الذكور حتى سن دخول الجامعة، أما الإناث فتحظين بها مدى الحياة على اختلاف من يعطيهنّ إياها في كل مرحلة من مراحل حياتهنّ.
فترة “حجوا ولبّوا وزاروا الحرم”
إن كنت قد شهدت أحد استقبالات الحجيج في سورية، فإنك قد سمعت حتماً بهذه الأنشودة التي توضع في منازلهم عبر مكبرات الصوت احتفاء بعودتهم.
قبل عودة الحجيج بعدة أيام، تبدأ التحضيرات في الشوارع والبيوت، إذ يؤتى بالأخشاب لإنشاء قوس النصر الذي يزيّن بأوراق الريحان ليعطي منظراً مبهجاً للشوارع، وتُعلّق الأضواء على هذا القوس لتنير ليلاً، كما يتم تعلّق أوراق الزينة في مداخل الأبنية ويتم جلب خطاط ليكتب جملاً قرب باب البيت مثل “حجاً مبروراً” و”أهلا بزوار بيت الله الحرام”.
تستقبل الحاج “عراضة” أمام منزله، في الوقت الذي تخرج فيه عائلته وأصدقائه لاستقباله بالسيارات التي تعلو أصوات مزاميرها تعبيراً عن الفرح، وعند وصوله تتم إقامة وليمة له وللحاضرين معه.
يستمر استقبال المهنئين لعدة أيام يقوم فيها الحاج بتقديم هدايا رمزية لكل الموجودين مثل المسابح أو حلوى الراحة، إلى جانب تقديم كؤوس مملوءة بماء زمزم يشربها الزوار وهم يرددون أدعيتهم.
وفي بعض الأماكن توجد عادة تقوم النساء بها بإحضار هدية للحجاج وتسمى “نقوط”، كما يحضر الحاج في الوقت ذاته الهدايا لأفراد العائلة والأصدقاء والتي يضعها في العديد من الحقائب التي تكون بالنسبة للأطفال كنزهم الثمين الذي يجب ألا يُفتح إلا في حضورهم.
هذه هي عادات وتقاليد السوريين في فترة عيد الأضحى وما بعده، هل عايشت مثل هذه العادات؟ شاركنا عادات مدينتك أو قريتك في استقبال العيد والحجاج.
حليمة نزار صبرة
محرر محتوى
خريجة كلية التجارة والاقتصاد قسم إدارة أعمال، مدونة في موقع هاف بوست ومحررة في عدة مواقع، ومتطوعة في عدة مبادرات اجتماعية، أنتمي للجزيرة الوحيدة المأهولة في سورية “أرواد”، وأحلم بأن يكون للسوريين أثر كبير في صناعة المحتوى العربي
مصدر مقالة أربع فترات يعيشها السوريون قبل عيد الأضحى وبعده هو لدّات.