حلب ام الطرب..عبارة جميلة نسمعها كثيرا, ولعلنا جميعا نعلم لماذا اطلقت هذه الصفة على حلب, فقد عرف أهل حلب منذ زمن بعيد بشغفهم وحبهم للموسيقا و فنونها, فعلى مرّ العصور كان لمدينة حلب شأن كبير بكل ما يتعلق بالموسيقى وفنونها ونغماتها واّلاتها وترية” كانت أم ايقاعية.
وكان لذلك أثر كبير في حياة الحلبيين فأنشؤوا القدود وطوروها ومن ثم أنشدوها في زواياهم وغنوها في أعراسهم وأفراحهم.
ولأصالة حلب ولأهلها في تذوق الموسيقا الجميلة عدة شواهد وقصص،إحدى هذه القصص التي سمعتها تقول بأن محمد عبد الوهاب أتى إلى حلب ليحيي عدة حفلات على مدار عدة أيام، ففي اليوم الأول لم يأت لحضور حفلته إلا عشرة أشخاص.
وعندما أتى في اليوم التالي كان المسرح مليأ عن اّخره فاستغرب من هذا الموقف بأن اليوم الأول كان المسرح فارغا و في اليوم الثاني ملئ عن اّخره!
وعندما سال عن السر أجابوه بأن العشرة أشخاص الذين أتووا في اليوم الأول هم عمالقة الطرب في حلب ومتذوقيه أي بالمعنى العامي (السّميعة)، فاذا شهد هؤلاء العشرة بجودة ذلك المغني فذلك يعني بأنه فعلا يملك حنجرة ذهبية وصوتا رخيم.
يعود أصل القدود الى الأندلس, ومن ثم انتقلت إلى بلاد الشام وخاصة حلب,فقد حافظ الحلبييون على هذا الفن وطوروه وأضافوا له الكثير وأحييوه في مناسباتهم العامة والخاصة، لذلك سميت لاحقا
بالقدود الحلبية.
والقدود الحلبية هي خليط من الموشحات الأندلسية والأعجمية والأغاني الشعبية, ويذكر بأنها عملت بشكل كبير على الحفاظ على هوية الموسيقى العربية، حيث ساهم تعدد موضوعاتها بتحقيق انتشار أكبرلألحانها مما عزز من تثبيت الألحان في ذاكرة الناس المحبة لهذا اللون الطربي المميز.
ويعتبر القدّ الحلبي متيناً من الناحية الشعرية، ولكن ما يميزه أيضاً هو بساطة اللحن الذي يحويه و الذي لطالما يتكرر مع اختلاف مقاطع النص الشعري وأدواره.
دائما ما يوجد في حلب العديد من القامات الفنية التي تصدح بحناجرها طربا أصيلا يأخذ السامع الى عالم أخر يعيش فيه أجمل لحظات الطرب والصفاء فتطرب الروحُ قبل الأذن، ومن أشهرالمطربين القدماء الذين غنوا هذا اللون، الموسيقي أحمد عقيل، أبي خليل القباني ،مارون النقاش، والموسيقي شاكر أفندي الحلبي الذي سافر الى مصر ونقل إليها هذا الفن الجميل وعلمه لموسيقيي مصر، ومن المعاصرين نذكر صباح فخري, والراحل صبري مدلل رحمه الله, عمر البطش,عبود بشير،حمام خيري, أحمد أزرق,مصطفى هلال،نور مهنا،محمد خيري والكثير غيرهم ممن كان لهم بصمة واضحة على هذا النوع من الفن.
ويذكر بأن صباح فخري قد حقق رقما قياسيا بغنائه لمدة عشر ساعات متواصلة في مدينة كاراكاس الفنزويلية.
ومن القدود والموشحات الشهيرة “يا مال الشام” و”قدك المياس” ونذكر أيضا “يا طيرة طيري يا حمامة” لأبي خليل القباني و”الفل والياسيمين” من ألحان صبري الجريدي و”سيبوني يا ناس” لسيد
درويش و”القراصية منين منين” ،( يذكر بأن القراصية هي معروفة بالكرز).
ومن الأغاني الشهيرة أيضا ( فوق النا خل ) أو كما معروفة بفوق النخل ويجب التنبيه الى أن كلماتها الحقيقة هي فوق النا خل أي فوق النا حبيب وهو هنا يصور محبوبته التي عكس ضوء القمر وجهها فلمع من الأعلى حيث تسكن، وليس يقصد بفوق النخل بأن حبيبته جالسة فوق النخلة!، فمحبوته امرأة وليست بقرد!
والشيئ بالشيئ يذكر فأغلبنا قد سمع بأغنية “ومن الشباك لرميلك حالي” ولكن حقيقة هي “ومن الشباك لرويلك حالي” و القصد بأنها تريد أن تريه نفسها من الشباك، وليس بأن ترمي بنفسها من الشباك!
ومن أشهر الأغاني التي انتشرت في بلاد الشام عامة أغنية “عالروزانا” حيث تقول الحكاية بأن الروزانا هي باخرة تركية كانت محملة بالعديد من البضائع أرسلتها الدولة العثمانية لبيروت لبيعها بسعر زهيد وللمضاربة على تجار بيروت، وهذا ما حصل فعلا فتكدستب بضائع التجار اللبنانين و كادت أن تفسد، فما كان من تجار حلب الا أن أشتروا بضائع تجار بيروت وأنقذوهم من الافلاس، فعادت الباخرة أدراجها وقد فشلت بتحقيق مبتغاها.
وعربونا لشكر أهالي حلب غنى أهالي بيروت:
((عالروزانا عالروزانا كل الهنا فيها…..وش عملت الروزانا الله يجازيها
يا رايحين لحلب حبي معاكم راح……يا محملين العنب تحت العنب تفاح ))
ونهاية نأمل بأن تعود حلب لسابق عهدها وتعود إليها ليالي الطرب الأصيل لتملئ أجوائها فرحاً وطرباَ.
سعد أزرق
محرر محتوى
طالب سنة رابعة هندسة مدنية
مصدر مقالة القدود الحلبية..إرث يمتد لعشرات السنين هو لدّات.