لذّة الوَصل

إنّها نشوةُ الحب، وقلبُ القلب، صوت العقل و حياة الروح: عشق الله. هذا ما أوصل الصوفيين إلى الهالة البيضاء حول الإله، إنّه الحب الخالص والنقيّ لذات الإله ورغبةُ الإتحاد الدائمة به، وهذا لا يعني الرّغبة في مضاهاة الإله، بل مجاورته.

لو بدأنا بتاريخ التصوّف، لن نصل؛ لأن التصوّف حبّ، والحب بدأ مُذ خّلِق الإنسان، وكان بكونِه. نبدأ إذاً بمقتطفاتٍ عنه.كأي مذهب آخر، التصوّف أيضاً له مذاهبه،  لكن ما نركّز عليه هنا، هو التصوّف الإسلامي بصفته الأقرب إلى فكرة الإله الواحد. التصوّف البوذي مثلاً مبنيّ على الرياضيات والخلوة وما إلى ذلك، شأنها شأنُ المذاهب الأخرى في مبادئها، المذاهب الهنديّة في التصوّف، التصوّف الفلسفي، التصوّف الرهباني وغيرها الكثير، منها ما يرى أن الإتّحاد يكون مع الطبيعة والكون أو الحيوان أو المواد الأخرى، من هنا وصل التصوّف الإسلامي، الّذي جعل اتّصال الصوفيّ مع الله وحدَه، وحبّه الخالص له .

 

 

الركيزة الأساسية في التصوّف، وفكرته الكبرى هي الزُّهد عن الأمور الدنيويّة والسعي للعالم الآخر، اللادنيوي، لن تجد صوفيّاً حقًاً يهتمّ بما يراه الناسُ وما يعتقدونه عنه , كما يقول الحلّاج – وهو من أعلام التصوّف- : “ديني لنفسي و دينُ النّاس للناس”. كيف تكون صوفيّاً ؟ كن نقيّاً و راضياً بحبِّ لا يعطيك ردّاً مادياً، بل يغذّيك روحياً. هذه القناعة التي نجدُها في المتصوّفين , بأن الحبّ لن يخذلهم , تجعلهم مًحاطون بالحبّ في كلّ مكان .
من ناحية أخرى ، المتصوّف ليس إنساناً معزولاً اجتماعيّاً، أو يقصرُ كلّ علاقاته على علاقته مع الله، إنسان طبيعيّ إنّما زاهدً وعاشقً ل واحدٍ هو الله، من هنا نلغي فكرة أن التصوّف عالم متقوقع في ذاته لا يعرف الحياة الطبيعيّة، التصوّف حياة طبيعيّة يملؤها العشق و الزّهد، فمن اتّصف بهِ استقام، ومن استقام اصطفاه المصطفى بجواره  ومن اصطفاه كان عاشقاً تذوّق لذّة الوصل.

عبارةٌ صوفيةٌ واحدة، تلخّصها : “رأيتُ ربّي بعين قلبي، قلتُ من أنت ؟ قال أنت ! ” إنّ الّذي يحبّ يشتاق،والّذي يشتاقُ يصِل، والّذي يصِل يتّحد، ومن اتّحد عَشِق،ف طوبى للعشق النقيّ .

*كتب أنصح بقراءتها للتعمّق في التصوّف : سقوط الجدار السابع-حسين البرغوثي
قواعد العشق الأربعون-إيليف شافاق

Continue reading لذّة الوَصل at BirHakaya – بيرحكايا.