الدوران والحياة

ابقَ جالساً على كرسيٍ ثابت، لا تمشِ وأنتَ تقرأ، لا تقف فجأة، فهذا المقال قد يشعرك ب “الدوران”.

لنبدأ تدريجياً:

الإلكترونات، وهي من اصغر الأشياء في هذا الكون الكبير، تدورُ حول نفسها وحول نواتها ليستمر توازن الذرات وتجاذبها. الإنسان يبقى على قيد الحياة بسبب اندفاع الدم في شرايين جسده بشكل دائري، دار الانسان في رحم أمه قبل أن يُولد، وبعد أن وُلد دار مع أصدقائه في لعبة “طاق طاق طاقيّة”  إلى أن شعر بالغثيان وضحك من شدة الدوار.

ثم ماذا بعد؟ يكبُر ليدورَ في مدينة الملاهي والألعاب، يصرخ فرَحاً في مختلف أنواع الألعاب الدورانية، وحول خصمه في مختلف الألعاب الرياضية كَكُرة السلة وكرة القدم، والألعب الجمبازية، كما ويدور أثناء المذاكرة محاولًا حفظ معلومة معينة في دماغه الصغير، وكأن الدوران يرتبط بالنجاح ارتباطا وثيقاً.

الإنسان يدور دائمًا عند الفرح، يدور في مختلف أنواع الرقص، الرقص العربي، الغربي، الدبكة الشعبية، الباليه، رقصة التنورة، حتى الصوفيون يجدون في دورانهم فرحاً وحبا لله.

ولو عدنا للوراءِ قليلاً، وربطنا الماضي بالحاضر دورانياً، لوجدنا أن القدماء قد اعتادوا أن يطوفوا حول آلهتهم المتعددة وأصنامهم، وارتبط الدوران بعادات وثَنية، ونحن أيضاً اليوم ندور حول هياكلنا المقدسة والكعبة المشرفة، فالدوران يرتبط أيضاً ارتباطاً وثيقاً بالإيمان وتسبيح الله تعالى.

وها نحن في هذه الحياة ندور، ويدور الإنسان كثيراً، يدور أحياناً لضياعه وتخبطه وعدم استقراره، لكنه ليحافظ على انتظام نفسه وعدم توقف خفقان قلبه، عليه أن يدور بانتظام، تماما كدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، كدوران سائر الكواكب والمجموعة الشمسية، كدوران عقارب الساعة وانتظام دقاتها.

هل فكّرتَ يوماً أن المياه وهي أهم ما خلقه الله، تدور أيضاً؟ فلو نظرنا إلى الكرة الأرضية من مسقط معين ووضعنا المستوى الديكارتي عليها، نجد أن المياه تدور أُفقياً من الأنهار إلى البحيرات فالبحار فالمحيطات وتعاود الدوران، وتدور عمودياً بالتفاعلات الكيميائية عن طريق تحولها إلى بخار وغازات ومن ثم إلى أمطار وثلوج، لتعود إلى المجمعات المائية وسطح الأرض.

لكل شيء دورة حياة، للإنسان للنباتات والحيوانات، حتى الجمادات غير الحية حية لها دورة وجود. حيث يتم تحويل المياه العادمة الى مياه صالحة للشرب، بالدوران! ويتم إنتاج الطاقة بدوران الأشياء بوساطة المياه والهواء، لولا الدوران لما تواجدت المولدات، والموسيقى والأصوات.

الدوران حكمة، اراد الله وأحب أن تكون فكانت، للدوران ارتباط وثيق بالفرح والمحبة، النجاح، الاستقرار، التوازن، الانجذاب، السعادة، والإيمان والتسبيح، وأهم ما يرتبط به الدوران هو الحياة.

Continue reading الدوران والحياة at BirHakaya – بيرحكايا.