مَن من الحلبيين لا يعرف حديقة السبيل ولا يملك العديد من الذكريات بها؟، تلك الحديقة التي تجمّع فيها الكبار قبل الصغار والتي تعد متنفساً لقسم كبير من أهالي حلب؛ إذ يأتي إليها الناس من مختلف المناطق؛ لقضاء أوقات ممتعة وليرفهوا عن أنفسهم ويزيلوا أعباء الحياة المحيطة بهم.
ليست مجرد حديقة
وتعتبر الحديقة أيضاً ملاذاً لعشاق الرياضة في حلب؛ إذ يلجأ أحدهم لها للركض، وآخر للعب بـ “المضارب والريشة”، وثالث لممارسة حركات بهلوانية ورياضية على أعمدة التمرين الموزعة في الحديقة.
تعد حديقة السبيل ثاني أكبر حديقة عامة في حلب، إذ تبلغ مساحتها 27 دونماً، وتقع في الشمال غربي حلب بالقرب من حي السبيل، الذي سمّي بذلك نسبة للحديقة، وبالقرب من السبيل يمر شارع تشرين أيضاً.
وكما أن لحلب أبوابا متعددة، فللحديقة كذلك؛ فلها 3 أبواب، أحدها من جهة شارع تشرين والثاني من جهة حي السبيل، أما الثالث فيقع في جهة المقهى في المنطقة الواقعة بين شارع تشرين وحي السبيل.
عطشان يا صبايا دلوني عالسبيل
تم افتتاح حديثة السبيل عام 1896م من قبل والي حلب “رائف باشا”، وسميت بالسبيل؛ لأنها شُيّدت في باحة السقاية القديمة المعروفة باسم “سبيل الدراويش” الذي كان يُملأ بالمطر قديماً، وقد كان عبارة عن مضخة تسحب الماء عبر دولاب هوائي، وقد كلفت هذه المضخة أكثر من 10 آلاف ليرة ذهبية حينها،واستُخدمت لإرواء المسافرين والمتنزهين، فقد كانت الحديقة مقصد المسافرين؛ ليرتاحوا فيها قبل متابعة سفرهم.
في أول مرة افتتحت فيها الحديقة كانت تقع خارج مدينة حلب، وكان الناس يذهبون إليها بواسطة “الحنتور”، ولذلك اشتهرت الأغنية الشعبية الجميلة “عطشان يا صبايا دلوني عالسبيل….الروحة بالعربية والرجعة بالترومبيل”، ويُذكر بأن العربية هي الحنتور والترومبيل هي السيارة، وفي عام 1947م أعاد محافظ حلب حينها الأمير مصطفى الشهابي افتتاح الحديقة، وقام بتوسعتها لتضم أقساماً جديدة.
هل يمكنك ذكر معلم في حلب دون ربطه بالموسيقى؟
تتكون حديقة السبيل من عدة أقسام فهي تضم أقفاصاً للحيوانات وشلالات للمياه وأحواضا للأزهار، وفي وسط الحديقة توجد بحيرة الماء التي تحوي النوافير، كما تضم الحديقة مقهى ومطعما تُقام فيهما الحفلات.
أما في الجهة الشمالية للحديقة، فيوجد ركن الموسيقى وهو عبارة عن قبة مسطحة تضم 8 أعمدة، وسمّي هذا المكان بركن الموسيقى؛ لأنه دائماً ما تُقام به الحفلات الموسيقية والغنائية والاحتفالات المنوعة.
ولعل أكثر ما يميز هذا الركن هو أن أي صوت صادر من داخله يكون له صدى واضح، الأمر الذي يغني عن مكبرات الصوت المستخدمة لإيصال الصوت لمسافات بعيدة خلال الحفل، ويعد هذا الركن من أشهر معالم حديقة السبيل.
ويبدو أن الاهتمام بالموسيقى طاغٍ على حديقة السبيل، إذ توجد النافورة المائية الموسيقية والتي تعد المشروع الثاني بعد نافورة الحديقة العامة، وقد تم بناؤها عام 2006 في إطار الاحتفال بحلب عاصمة للثقافة الإسلامية.
تتضمن هذه النافورة نظامين حاسوبيين؛ لعزف الألحان المسبقة أو الألحان الفورية التي يتم تأليفها مباشرة ليتم تحويلها إلى نفحات موسيقية تؤثر في المضخات والصمامات المائية الأمر الذي يساعد في إنتاج عَرض جميل ينال إعجاب و رضا زوار الحديقة.
من ينسى القرد سعيد؟
لا يمكن أن يكتمل جمال الحديقة دون وجود حيوانات بها؛ لإضفاء روح أخرى على المكان، فتحتوي الحديقة على عدد من الأقفاص التي يوجد بداخلها أعداد وأنواع مختلفة من الحيوانات، ومن أشهر تلك الأقفاص قفص القرد سعيد، والذي يعرفه أغلب أطفال حلب؛ إذ يأتي بعض الأطفال إلى حديقة السبيل بشكل خاص؛ لرؤية القرد سعيد وإطعامه.
وفي السبيل أنواع أخرى من الحيوانات، فتوجد الأرانب والطواويس والقرود والحمام، كما يُقال إنها كانت تحوي غزلاناً في الزمن الماضي، ومن أقسام الحديقة أيضاً سلسبيل الماء الذي بناه النحات الحلبي الشهير “محمد طه شنن” من الحجر الحلبي الأصفر، ويوجد هذا السلسبيل عند الباب الشرقي.
وحقيقة لا أنكر أني أملك شوقاً كبيراً لهذه الحديقة الجميلة بكل شيء فيها، إذ إنّي سكنت بالقرب منها لعدة سنين وكنت أتردد عليها دائماً، تارة مع العائلة، وتارة أخرى مع أصدقائي، وسيظل لها مكانة مميزة لدي؛ فذكرياتي فيها لن تمحى بسهولة، هل لديك أي ذكريات في حديقة السبيل؟ شاركنا إياها!
سعد أزرق
سعد أزرق
طالب سنة رابعة هندسة مدنية
مصدر مقالة سبيل الدروايش..متنفّس الحلبيين عبر السنين هو لدّات.