مِنكمُ العونُ و الروحُ إليَّ تُرَد

إنَّ كلاً منّا لا تخلو حياته من مواقفَ رُوتينيّة، عابرة تمرُ ساعةً، يوماً، لدهرٍ ننساها فيه، لكنّي اليومَ أو غداً أو حتّى بعد ألفٍ من اليوم، لن أنسى دمعة لم تكن عابرة مُذ رأيتُها.

في تمامِ الساعة التي ليس من المُهم ذكرُها، وفي إحدى شوارع هذا الوطن الذي لا يرمشُ رمشةً عن عين الحياة، و في ظل سرحاني الذي تجمّد للحظةٍ من الثانيّة، كنتُ أسير واستمعُ لأغنيّة من زمن مضى، حتى اختفت و توقفت ملامحُ الزمان عند رجل بلغَ من الحياة أشُدَّها، كان كأنَ شيئاً فيه يغزوهُ حتى برَزت كلُّ تلك الأبجديّة في تجاعيد وجهه الأولى، الشوارعُ كلها تحت بصري مُزدَحمة وعلى يميني شابٌ ينادي ليبيع ممّا مَلك؛ حتى يَعيشْ، و على الجانبِ الأيسر عشرات السّيارات التي تسابقُ الوقت، وكلُّ العالمين حولي كشريطٍ من الاختلافات يَمُر.

تقدَّم ما يقارب الثلاث خطوات نحوي، يمدُ بيده ورقة بيضاء وأنا بملامحي المتسائلِة، ثم يقول لي:

“و الله يا عمّي مُستعِد أَبيع هالأوراق ولا أمد إيدي أطلب مصاري ببلاش، بدّي أطعمي أولادي”

يبيعُ ورقاً أبيضاً خُطّت به فِقرة معلومات عن “زَواج الأقارب”؛ ليطعم عائلته، أول ما صعقَ ذاكرَتي هو فكرة على شكل سؤال:

  • لِما كانَ يبكي بدون دُموع؟

لقد كانت تجاعيده الصَّلبة تحكي كم مرةً بكى بدون دموع، وأدركتُ حينها أنّ الحياةَ سهلة بعين الثري أو من يملك قوتاً ليومه لا ينقطع وأنَّها صعبةَ حد الغصّة بعين وجسد وقلب الفقير، هذا التناقضُ العجيب بين الفقر والثراء، بين القوّة والضَّعف، تناقضٌ يختزلُ الحياة وسُننِها.

أتساءلُ في كلِ مرةٍ عن هذا الحجمِ الكبير من البطالة في وطني، أدورُ في حلقاتٍ من الأسئلة والإجابة تبقى مفقودة، كأن معرفةَ أسباب البطالة هو أمرٌ صعب، وهذه الصعوبة ليست مُقتصِرة على فلسطين أو دول عربيّة أخرى، إنَّه كذلكَ في الدول الأجنبيّة أيضاً.

 

أذكرُ أني قرأت في كتاب “مشكلةُ البطالة في فَلسطين” للدُكتور سالم درويش العديد من الأسبابِ المُحتمَلة للبطالة، فظهورُ الكفاءاتِ العالية في سوقِ العمل وقفَ عائقاً أمام الكفاءات الأقل، والازديادُ السُّكانيّ في فترة السّبعينيات والثمانينات أدَّى إلى قِلة فرص العمل، وتراجع عددٍ كبير من الناس عن أعمالٍ لا يرَونَها تتناسبُ مع مُستواهم الاجتماعي كَأعمال الخياطة والسباكة والكثير من النشاطات الزراعيّة؛ فيسعَوْن للعملِ في محطات البترول والمحلات التجاريّة، وغير هذا الكثيرُ من الأسباب المُحتَمَلة.

في إحصائيّة لعام 2001 وُجدَ أنَّ نسبة البطالة عند فئة الشباب الفلسطينيّ في الضفة الغربيّة هو 39.1%، إنَّ المهارةَ ليست في استخلاص تلك الأسبابِ و وضعُها في قائمةٍ في إحدى الكُتب التي تحكي واقعَ شبابنا، بَل تَكمُن في إيجاد الحلّ الأمثل لكل تلك الأسباب؛ فتسليطُ الضوء على الجانب السّلبي ليسَ وسيلةً للمواجهة، إنَّ الضوء لن يكون نوراً إلا في العتمة؛ لذا يتَحتَمُ أنْ ننظُرَ من منظورٍ إيجابيّ، فمثلاً ما ضرَّ الحكوماتِ لو قامت بتوفيرِ قاعدة بيانات معلوماتيّة تستفيدُ منها الجامعاتُ والمعاهد عند افتتاح برامجها الأكاديميّة؛ لضمانِ تناسُب هذه البرامج مع احتياجات سُوقِ العمل الفلسطينيّ، وتقديم القروض للأُسرِ الفَقيرة المُنتَميَّة إلى شريحة العاطلين؛ لإنشاءِ مشاريع خاصّة تُساعد في توفيرِ فُرصِ عملٍ جديدة.

 

 

 

أوقفَني وقطعَ لحنَ الأُغنيّة والفِكر، جملةٌ واحدة من رجلٍ مُتعب نقلَتني لأفكرَ بحال شبابنا اليوم، الذي كلما شُدَّ على قلبه رخى، وكلّما كان خيطاً بينهُ وبينَ الموت استَقوى.

 

هل مررَتم بموقفٍ مشابهٍ شدَّكم في إحدى شوارع الوطن؟ وهل لديكم مقترحات لحلِ مشكلةٍ كهذه بين أحضاننا؟

Continue reading مِنكمُ العونُ و الروحُ إليَّ تُرَد at BirHakaya – بيرحكايا.