يقول (جون ماكين): “البعضُ منّا لديه مخاوف أكثر من غيره، ولكنّ الخوفَ الذي يجب أن نحميَ أنفسَنا منه، هو الخوف من أنفسنا!” ولعل هذا الخوفَ هو ما يقِفُ بيننا وبين تحقيقِ أهدافِنا في أيّ وسطٍ نكون فيه، الوسط الجامعي هو أكبر مثال على ذلك. كثيرون هم الطلابُ الذين يدخُلون الجامعة ويخرجون منها ولا يعرفون شيئاً إلا بما يتعلق بتخصصَّهم الأكاديمي، لا أكثر ولا أقل من ذلك، يخافون الاحتكاك مع من هم مختلفون عنهم، يخافون الانخراط بنشاط الأحزاب، يخافون من طرح الأسئلة على أنفسهم والبحثِ عن أجوبةٍ لها، يبقون مستندين على حائطٍ وهمي، لا يعلمون أنه سينهدم تلقائيّاً عند خروجِهم من مُجتمعِ الجامعة إلى مُجتمعٍ أكبرَ منه بكثير.
إنّ الثقافةَ هي أن تحوي كلّ ما تستطيع عن مجالاتٍ مختلفة كثيرة، أن تقرأ، تستمِع، وتطّلع، أن تعرفَ عما يحدث من حولك، وأن لا يقتصرَ تفكيرُك على اتجاه واحد، أن لا تضعَ نفسَك داخلَ صندوق فترى أنّك مكتفٍ بما لديك من معرفة، وتجعل ذروةَ أحلامِك أن تجدَ وظيفة! بالتأكيد لم تسمعْ من قبل عن شخصٍ يعملُ طبيباً، وفي نفس الوقتِ يعمل في مهمةٍ رسميةٍ أخرى، فليس هذا المقصود، ولكنك تستطيع الاحتفاظ بهواياتِك، بوسعك أن ترسمَ أو تغني أو تكتب، أن تحفظَ شغفَك بمنأى عن تسلّطِ الرسميات، الحياة ليست طريقاً واحداً، بلا أبواب ولا نوافذ، إنها عالمٌ متّسعُ الحدود، إنها معارفُ ولغاتٌ ومواهبُ وتفاصيلُ لا حصر لها، فلماذا لا تكسر صندوقَك؟!
تعطيكَ الجامعة مساحةً متّسعةً لتبني بها شخصيتَك، أنشطةٌ لا منهجية، مجموعاتٌ شبابية متعددةُ الأهداف، ومبادراتٌ شبابيةٌ تفتح أمامك المجالَ لتنمّي مواهبَك باتجاهاتٍ مختلفة، إنها تبني شخصيتَك خارجَ إطارِ المحاضراتِ والتخصص؛ لأن الثقافة أوسعُ من مجردِ تخصصٍ اخترت دراستَه، فبعد أربعةِ سنوات، سوف تتخرج بشهادةٍ تؤهلك لإيجاد وظيفة، لكن الأهم مما تُعلمك إياه المحاضرات، هو ما يعلمُك إياه الوسطُ الجامعي، عند احتكاكك بالأنشطةِ المختلفةِ وتفاعُلِك معها.
إضافةً إلى القضايا التي تتعلق بالشارع الفلسطيني وما يحصل فيه، ولأن النخبةَ الجامعيةَ نخبةٌ مؤثرةٌ على الصعيدِ الاجتماعي والثقافي والسياسي، وهناك دور مُنتظَر منك كطالبٍ جامعي، بأن تكونَ جزءاً فعّالاً في بناء المجتمع وإصلاحه، وهذا الإصلاح والبناء لا يقتصر على أن تكون مهنياً وصالحاً في وظيفتك، إنما ألا تكون نسخةً مكررة، أن تكون قادراً على صناعة الاختلاف والتأثير والبناء.
لا تظلًّ حبيساً داخلَ فقاعةٍ صنعتها أنت لنفسك! بل اخترقها وتفاعلْ مع الوسطِ لتبنيَ شخصيتَك، دعه يؤثرْ بكَ إيجابياً، وتعامل بحزم مع سلبياتِه، اترك بصمتَك حيثُ تمرّ، دع الحياةَ تصلُ إلى عُمقِك، وتستخرجُ أفضلَ ما فيك، أنت لست معلوماتٍ وامتحاناتٍ وشهادة، أنت بذرةُ التغييرِ في الواقع الصعب! إنّ الصعوباتِ قادرةٌ على اختراقِك فقط حين تكونُ هشّاً، لكنَّ الشخصيّةَ القويةَ التي لا يُمكن أن تميلَ إذا اشتد هبوبُ الرياح، أو تنكسرَ إذا اشتدّت العاصفة، هي الشخصيةُ التي تمتلكُ من الثقافةِ ما لا تمتلكُه الأغصانُ المائلة، وهي الشخصيةُ التي تتحلّى بالصلابةِ الفكريةِ لمواجهةِ المصاعِب، اجعل من نفسِك شخصيةً قويّة، لِتشاركَ في بناءِ واقعٍ جديدٍ صالحٍ ومُختلف.
Continue reading الوسط الجامعي عالم مُتّسع الحدود at BirHakaya – بيرحكايا.