بقلم: ضحى حميدان
السائقونَ هُنا يفتعلونَ المَشاكِل لأَصغرِ الأسبابِ وأتفهِها .. يَنعتون بعضهم بِشتائِمَ لا تَليقُ بأعمارِهم.
في دروسِ العلومِ السِّياسية عُلِّمنا أن جُل اقتتالِ البشرِ يعودُ للمواردِ المحدودة ، وحسبما أراه الآن، فلقد بتُّ مُتيقنةً أنني جزءٌ من موردٍ محدود بالنسبة للسائقين لأجل ستة شواقل سأدفَعُها لأحدهم، وأنا مُخَيّرةٌ بين اثنين: أوْلُهما سأكونُ معه حُمولةً زائدة عن الحَدِ المسموح، وثانيهما سأكون أول من يركَبُ معه. اخترتُ الثاني راضيةً عن تصرفي ولم أكن أعلم عواقِبَ الفِعلِ بعد، لم أخترق القانون بركوبي معَ الأول، لكن الطّامةُ كانت عندما نظرتُ إلى ساعتي وكانت تشير إلى التاسعة وخمسٍ وأربعينَ دقيقة. هُنا أدركتُ أنّي مطرودةٌ من محاضرةِ العاشرة صباحًا لا محالة. فاتَ أوانُ تغيير المركبة، هُنا يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون، ولا حتى حبورٌ لعدم اختراقِ القانون.
وبدأت رحلتي معَ السائق للعثورِ على رُكابٍ آخرين، في تلك الأثناء لعنتُ نفسي وقراراتي المُتسرعة، أغمضتُ عينايَ في سبيلِ الهُروبِ من الوقتِ راجيةً الرَّبَ أن يوقفَ الزمن عن المُضيِّ لربعِ ساعةٍ فقط! لم تُفلحِ الأمنيةُ الأولى حين فتحتُ عينايَ لأكتشف أنها العاشرةُ إلا ربعاً، أغمضتهما ثانيةً لأجلِ أمنيةٍ أخرى قد تنجح: “يا رب حوِّل هذه المركبة لطائرةٍ نفاثة!”، لم تُفلح أيضاً. خضعتُ لمرارةِ الواقعِ لاعِنةً إيّاهُ ولاعِنة كُلّ أفلامِ الكرتون التي تابعتُها في حياتي مُصدِّقةً أنَّ أحدها سيحدُث.
عندما نزلتُ من السيارة ومشيتُ باتجاه محطة باصات بيرزيت، جرّبتُ أمنيةً يائسةً ثالثة: “يا ربِّ امنحني سُرعة (سونيك) أو قدرة (انيوشا) على القفزِ السريع!”. مَشيتُ ولم أدرِ كيف مَشيتُ أو ركضت، فقط أطلقتُ قدمايَ اتجاهَ الريح واندفعت، وعلى الرغم من فشل أمنياتي إلا أنني تذكرت ما قرأتُ في كتابٍ عن حياةِ أخوين عن نهجٍ اتبعاهُ للفوزِ في مسابقاتِ التزلُّج على الثلج مع صبيةٍ كانوا في مثل سنّهما، وكنت حين أيأسُ من سرعتي اتبعه، فأنجح! شيءٌ يتعلق بمبادئ احتكاكِ الأجسام مع الأرض بسرعة متزايدة أَتحفَظُ على ذكرِ تفاصيله لحاجةٍ في نَفسي. لم يخذلني يوماً وقتما قررتُ اتباعه، وبالفعل ازدادت السرعة شيئًا فشيئًا.
استقرت قدمايَ على أرضِ الحرم الجامعي في العاشرة والرُّبع، وتذكرتُ أن مُحاضرتي في كُلية التنمية، فقلَّت عزيمتي ويئست، جيث أني أحتاج خمسَ دقائق للوصول. مَشيتُ بهدوءٍ لأنني تيقنت من أن فعلَ الطرد حاصلٌ لا مَحالة .. وصَلتُ البابَ الذي ترددتُ في طرقه، درتُ دورتين حول نفسي في مُحاولةٍ يائسةٍ للتخفيف من أثر جُمل اللوم التي ستنزل على رأسي. طرقتُ الباب وولجت، …
– لمَ أنتِ مُتأخرة؟
– لن أكذب عليكِ آنسة، أنا لا أملك الوقت لتناوُلِ الإفطار وقررت اليوم أن أتناوله، أنا لا ألتزمُ بالقوانين وقررتُ اليومَ التزامها، ضريبةُ قرارٍ سريع اتخذتُه على عاتقي اليوم …!
– الاسم الكريم ؟
– ضحى حميدان.
-تفضلي بالجلوس.